وكان سعيّد، الذي لا يزال يحظى بدعم شعبي واسع، قد أكد في أكثر من مناسبة أنه استخدم المادة 80 من الدستور حين علق عمل البرلمان في 25 يوليو/تموز الماضي، لإنقاذ الدولة من خطر داهم والتصدي للفساد ولتلبية إرادة الشعب.
كما شدد على أن هذه الخطوات ضرورية لمعالجة أزمة الشلل السياسي والركود الاقتصادي، مؤكدا أنه لا يسعى لأن يكون دكتاتورا.
زلزال الاستقالات يعصف بالنهضة
وفي واحدة من أسوأ العواصف وأكبر الهزات التي تتعرض لها حركة النهضة في تونس منذ تربعها في الحكم سنة 2011، ارتفع عدد الاستقالات فيها إلى 131 عضواً، وذلك في حصيلة مرشحة للارتفاع، بعد يوم واحد من استقالة جماعية لـ113 قيادياً .
و يشار إلى أن هذه الاستقالات جاءت احتجاجاً على تعطل الإصلاح داخل الحزب، وكرد فعل على التسيير غير السليم والسياسات الخاطئة التي اتبعها رئيسه، راشد الغنوشي.
ومن المتوقع أن تتسع موجة الاستقالات خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بحسب قيادات مستقيلة من الحركة .
ولم تكن هذه أول استقالات تشهدها النهضة، التي تعيش منذ عامين على وقع انشقاقات، إلا أنها مختلفة عما سبقها، نظراً للعدد الكبير للمستقيلين وثقل القيادات الخارجة من كنفها، وشعبيتها ومدى تأثيرها على قواعد الحركة.
وقد تنال هذه الخطوة من بنية الحركة وتفككها، وتطرح تساؤلات بشأن قدرة هذا الحزب على الصمود أكثر والاستمرار في المشهد السياسي بتونس.
وكان من بين موقعي بيان الاستقالة، قيادات من الصف الأول على غرار عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء مجلس النواب المعلق مثل جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي
كما شمل البيان عددا من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي مثل آمال عزوز، وبعض أعضاء مجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.
ويرى المراقبون أن حركة النهضة الإخوانية في تونس ستقف وحيدة في مواجهة مصير ضبابي بعد أن تخلى عنها حلفاء الماضي واحدا تلو الآخر، بالتزامن مع التغييرات السياسية الكبيرة التي تشهدها البلاد منذ 25 يوليو الماضي، وفشل الحركة في احتواء غضب الشارع.
ويعزز هذا الاحتمال سلوك الأحزاب والقوى السياسية وبعض الشخصيات العامة التي انبرت للنأي بنفسها عن أي تحالف يجمعها بالنهضة، خاصة بعد تعهدات القضاء التونسي بملاحقة عناصر الفساد وداعمي الفوضى في البلاد ومحاسبة المسؤولين عن تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية وانهيار المنظومة الصحية.
خلفيات استقالة قيادات من حركة
وبحسب متابعين للشأن التونسي ، فإن القيادات المستقيلة من النهضة قد تلجأ لتدشين حزب سياسي جديد بعيدا عن أيدولوجيا الحركة تماما، لتجنب الغضب الذي تواجهه في الشارع التونسي وحالة النفور الكبير ضدها، ورفض عودتها إلى العمل السياسي بعد حقبة من السياسات الفاشلة التي أوقدت غضب المواطنين، وأدت إلى سقوط الحركة وخروجها من المشهد السياسي.خاصة و أن التيار المعارض لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، هدّد قبل شهر بالانشقاق وإطلاق حزب سياسي جديد، في حال لم يتراجع الغنوشي خطوة إلى الوراء ويفوض صلاحياته للشباب، ويوقف الاستفزازات الموجهة ضد الرئيس قيس سعيّد، معتبرا أن القيادة الراهنة التي يتزعمها الغنوشي تمثل عائقا لفكرة الحوار مع رئيس الدولة، وغير مؤهلة لإجراء حوار لا مع الرئاسة ولا مع المجتمع السياسي
لكن هذه التجربة لا يمكن التنبؤ بنتائجها لأنها ستظل رهينة بوعي المواطن في التعامل مع أي تيار له علاقة بسياسات الحركة المرفوضة، والتي تصل إلى حد الإجرام بحق الشعب التونسي.