ليبيا تشتعل .. والمدنيون يدفعون أرواحهم ثمنا

آثار الاشتباكات المسلحة في ليبيا- صورة إرشيفية آثار الاشتباكات المسلحة في ليبيا- صورة إرشيفية

كتبت جيهان غديرة

على حين غرة، اندلعت اشتباكات بين فصائل متناحرة في أنحاء العاصمة الليبية طرابلس يوم السبت في أسوأ قتال هناك منذ عامين مع تحول مواجهة سياسية مستمرة منذ شهور إلى حرب مدن تهدد بالتصاعد إلى صراع أوسع نطاقا.

إلا أن هذا الاقتتال أعاد مجدداً شبح الحرب إلى البلاد التي لا تزال غير قادرة بعد على لجم الفوضى التي ألمت بها منذ 2011.

فيما تقاذف المسؤولون الاتهامات المتبادلة وحمل كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، منافسه في سرت فتحي باشاغا المكلف برئاسة الحكومة الجديدة من البرلمان، مسؤولية ما حصل.

و قد حصدت الاشتباكات التي اندلعت بين الفصائل المتناحرة ليل الجمعة السبت، بعد أن تحولت المواجهة السياسية المستمرة منذ شهور إلى حرب شوارع في أنحاء طرابلس، 32 قتيلاً و159 جريحاً، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة.

كما  خلّفت الاشتباكات المسلحة الدائرة حاليا في العاصمة الليبية طرابلس، دمارا واسعا بالبنية التحتية، نتيجة الاستخدام المكثّف...

اصطفاف الميليشيات

ففي حين تخضع طرابلس لسيطرة حكومة الدبيبة، المدعومة من عدة مليشيات مسلحة على غرار " جهاز دعم الاستقرار" و"قوات الردع"، وهما من أقوى المليشيات، إلى جانب قوة "دعم الدستور والانتخابات" و كتيبة "فرسان جنزور" التي تتمركز غرب العاصمة وكتيبة "رحبة الدروع" بمنطقة تاجوراء، تحظى حكومة باشاغا بدعم كتيبة 777 و كتيبة "النواصي".

وفي مدينة مصراتة، التي تضم أقوى المليشيات المسلحة بالمنطقة الغربية، تدعم قوة "العمليات المشتركة" الدبيبة، في حين اختارت مليشيا "لواء المحجوب" الاصطفاف وراء باشاغا.

بينما فضلت مليشيات أخرى الحياد على غرار مليشيا "لواء الصمود" التي يقودها صلاح بادي.

وفي مدينتي الزنتان و ورشفانة، تدعم المليشيات التي تقع كلها تحت سلطة اللواء أسامة الجويلي باشاغا.

أما في مدن الساحل الغربي، فتنقسم خارطة الولاءات بين الطرفين، حيث تدعم قوة "البحث الجنائي" و مليشيا "حسن بوزريبة" بمدينة الزاوية المحاذية لطرابلس، الدبيبة، في حين تقف المليشيات الموالية لوزير داخلية حكومة باشاغا، عصام أبو زريبة ضده.

شبح الحرب يهز طرابلس

و يشار إلى أن هذا القتال المستمر في المدينة للسيطرة على الحكومة، أعاد المخاوف مجدداً من غرق البلاد في حرب شاملة بعد سلام نسبي استمر عامين أتى بعد اتفاق بين الشرق والغرب على وقف إطلاق للنار، ما أسفر عن توافق سياسي برعاية الأمم المتحدة، واتفاق على إجراء انتخابات عامة، إلا أن الخلافات السياسية حالت دون إجرائها في ديسمبر الماضي (2021) كما كان مقرراً.

وتدور المواجهة منذ أشهر من أجل استلام السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وحكومة باشاغا التي يدعمها البرلمان، ومقره شرق البلاد، وتدعم كل طرف ميليشيات عدة، ما يزيد الوضع خطورة واشتعالاً.

انقسام ليبيا

ظهرت الخلافات في ليبيا قبل عشر سنوات عندما تبنت جماعات محلية مواقف مختلفة خلال ثورة ما سمي بالربيع العربي 2011 التي ساندها حلف شمال الأطلسي وأفضت إلى الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي.

ومنذ البداية لم تنجح محاولة الانتقال الديمقراطي، إذ خرجت عن السيطرة فأقامت التنظيمات المسلحة قواعد قوة محلية والتفت حول فصائل سياسية متنافسة ثم سيطرت أيضا على الموارد الاقتصادية.

تشكلت حكومة جديدة في طرابلس بعد اتفاق مدعوم من الأمم المتحدة في وقت اقتنص فيه تنظيم داعش موطئ قدم في ليبيا.

بعد معركة السيطرة على طرابلس في عام 2014، انزوى أحد الفصائل إلى شرق البلاد، فأقام هناك ومؤسسات موازية، واعترف بخليفة حفتر كقائد عسكري.

لاحقا، أسفر اتفاق مدعوم من الأمم المتحدة عن تشكيل حكومة جديدة معترف بها دوليا في طرابلس، غير أن معسكر شرق البلاد رفض الاتفاق وهاجم "الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر العاصمة في عام 2019.

وردا ًعلى زحف قوات حفتر، تضافرت جهود الفصائل المسلحة المتنازعة التي سيطرت على غرب ليبيا لدعم حكومة طرابلس ضد حفتر.

اتحدت الفصائل المسلحة المتنافسة التي تسيطر على غرب ليبيا بهدف دعم حكومة طرابلس في مواجهة الجيش الوطني الليبي وصدت هجومه في عام 2020 بمساعدة تركيا، مما أدى إلى وقف لإطلاق النار وعملية سلام جديدة تدعمها الأمم المتحدة.

جولة جديدة من الصراع

أفضت عملية السلام إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة بقيادة عبد الحميد الدبيبة بتفويض للإشراف على انتخابات وطنية كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021، لكن لم يكن هناك اتفاق على قواعد التصويت، مما تسبب في انهيار العملية برمتها

ونظرا لانتهاء مدة ولايته، عيّن البرلمان الشرقي في فبراير الماضي باشاغا رئيسا للوزراء﮾ ورفض الدبيبة قرارات البرلمان وقال إنه لن يتنازل عن السلطة إلا بعد الانتخابات.

في هذه الأثناء، كانت فصائل غرب ليبيا تحاول السيطرة على طرابلس في مناوشات من حين لآخر، ورأت بعضها في باشاغا أفضل فرصة لها للصعود والتقدم.

حاول باشاغا دخول طرابلس بعد فترة وجيزة من تعيينه في مارس، لكن الفصائل الموالية للدبيبة منعت مرور موكبه. وحاول مجددا في مايو، لكنه غادر طرابلس بعد تبادل قصير لإطلاق النار.

ومع مرور الأشهر، تغيرت معالم التحالفات والائتلافات بين فصائل طرابلس مع محاولة كل من الدبيبة وباشاغا استمالة الأطراف الرئيسية.

 وفي شوارع طرابلس، تكررت المناوشات بين القوات المسلحة بسبب مناطق نفوذها.

وعندما اندلع القتال بين فصيلين ليل الجمعة، بدأت الفصائل المتحالفة مع باشاغا شن ما بدا أنها هجمات منسقة في محاولة جديدة لتنصيبه في العاصمة. لكن هذه الخطوة فشلت مما ساهم في ترسيخ موقف الدبيبة على ما يبدو.

فرص التوصل إلى اتفاق سياسي

 لم يظهر معسكر الشرق بقيادة حفتر ورئيس البرلمان، عقيلة صالح، أي استعداد للتراجع عن هدفه المتمثل في إزاحة الدبيبة وتنصيب باشاغا.

 ومع ذلك، ونظرا إلى عدم قدرة باشاغا حتى الآن على بناء تحالف من الفصائل الغربية التي يمكنها تنصيبه في طرابلس، فقد يتعين عليهما إعادة التفكير

كما أن استمرار التواجد العسكري التركي في أنحاء مختلفة من طرابلس، والذي حافظت عليه أنقرة عبر نشر طائرات مسيرة هناك بعد المساعدة في صد هجوم قوات الشرق في 2020، يعني أن إعادة حفتر محاولة الزحف نحو العاصمة تبدو احتمالا مستبعدا في الوقت الحالي.

 وطرح بعض السياسيين فكرة إطلاق محاولة أخرى لتشكيل حكومة جديدة يمكن لجميع الأطراف قبولها، غير أنه من المرجح أن يحاول الدبيبة إفشال هذه الجهود.

 في غضون ذلك، تعثرت الدبلوماسية وأصبح الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات كحل دائم للخلافات السياسية في ليبيا بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

 كما تم إفشال كل الجهود الدولية للتوسط في اتفاق سياسي بسبب اتساع هوة الخلاف بين الدول المعنية وبين الفصائل المحلية، التي يعتقد العديد من الليبيين أنها تريد تجنب الانتخابات للبقاء في السلطة

ويخشى الكثير من سكان ليبيا، البالغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة، أن كل هذا لن يعني الشيء الكثير، إذ مهما أفرزت المفاوضات واتفاقات تقسيم الأدوار من نتائج، فلن يتبعها إلا اندلاع جولة أخرى من العنف.

ويذكر أن القتال الذي شهدته طرابلس مؤخراً يعد الأسوأ على الإطلاق منذ عامين.

كما تدور المواجهة من أجل استلام السلطة منذ أشهر بين حكومة الوحدة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وحكومة باشاغا التي يدعمها البرلمان، ومقره شرق البلاد، في حين تدعم الميليشيات كل طرف، ما يزيد الطين بلة.

Rate this item
(0 votes)

تفضيلات القراء

Error: No articles to display

« April 2024 »
Mon Tue Wed Thu Fri Sat Sun
1 2 3 4 5 6 7
8 9 10 11 12 13 14
15 16 17 18 19 20 21
22 23 24 25 26 27 28
29 30          

ترند اليوم

Error: No articles to display

ترند الموقع

Error: No articles to display

بسبب تغاضيه عن  ملف تدليس شهادات علمية.. قيس سعيد يقيل وزير التربية

القصرين : إبرام اتفاقية شراكة بين الشبكة والولاية والمندوبية الجهوية للصناعات التقليدية

القصرين : المصالح الجهوية تتسلم دفعة من صهاريج المياه ومساعدات مالية

تسليم معدّات صيد بحري لصغار الفلاحين و العائلات المحدودة الدخل بجزيرة قرقنة

القصرين وسليانة  :  انطلاق برامج إحداث مشاريع تنموية لفائدة النساء الريفيات

تسجيل أكثر من 200 اعتداء على الصحفيين خلال سنة

القضية الفلسطينية وتجريم التطبيع: مظاهرة وطنية بالعاصمة السبت القادم

البنك الدولي: بإمكان تونس توسيع برامج تنقل الأفراد لتسهيل الهجرة الشرعية

تونس تشارك في الدورة السادسة لمعرض الصين الدولي