خلف الأزرار والرسائل… معركة صامتة تخوضها النساء ضد العنف الرقمي

كانون1/ديسمبر 10, 2025

في عالم أصبح فيه الاتصال الرقمي جزءًا من حياتنا اليومية، برز شكل جديد من العنف يتسلّل بصمت إلى حياة النساء. هذا العنف لا يُرى بالعين المجردة، ولا يترك كدمات ظاهرة، لكنه يترك ندوبًا نفسية عميقة تمتد آثارها إلى الأسرة والعمل والمجتمع. إنه العنف الرقمي، أحد أخطر الظواهر الحديثة التي تستخدم التكنولوجيا لبثّ الخوف والسيطرة والإيذاء.

التكنولوجيا… وجه آخر للعنف

لم يعد العنف محصورًا في الفضاءات المادية أو في العلاقات المباشرة، بل تسلّل إلى الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. فالمنصات الرقمية، التي كانت متنفسًا ومصدرًا للمعرفة، أصبحت محفوفة بالمخاطر للنساء. فالاعتداءات الرقمية لم تعد مجرد مضايقاتعابرة، بل تحولت إلى سلسلة متشابكة من الأفعال المؤذية: رسائل جارحة، تعليقات مهينة، تهديدات مبطّنة، وصولًا إلى الابتزاز الإلكترونيباستخدام الصور أو المعلومات الخاصة،  اختراق الحسابات للتجسس وسرقة البيانات، ونشر محتوى مخل بالشرف بهدف التشهير وتدمير السمعة. وغالبًا ما يستخدم المعتدون هويات مزيفة وأدوات لإخفاء أثرهم، مما يجعل ملاحقتهم صعبة ويترك الضحايا في حالة من العجز والخوف

هذا الواقع يطرح تساؤلات جدية حول حماية النساء في الفضاء الرقمي وضرورة تكثيف الإجراءات القانونية والتوعوية لمواجهته.

بين القانون والواقع… فجوة يجب ردمها

ارتفاع العنف الرقمي ضد النساء ليس مجرد أرقام، بل واقع يهدد سلامتهن النفسية والاجتماعية. الكثير من النساء يفضلن الصمت خوفًا من الوصم أو الفضيحة، ما يمنح المعتدين مساحة أكبر للتمادي. فالتواجد خلف الشاشة يمنحهم شعورًا بالإفلات من العقاب، ويجعل ارتكاب الجرائم أكثر جرأة. حتى القوانين الموجودة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مثل القانون 175 لسنة 2018 في مصر، تظل محدودة الفاعلية بسبب ضعف التبليغ وتردد الضحايا في اللجوء إلى القضاء.

آثار تمتد إلى الحياة الواقعية

العنف الرقمي ليس مجرد رسائل مزعجة أو صور مسرّبة؛ إنه اعتداء نفسي كامل الأركان. فالضحايا يعانين من القلق المزمن، اضطرابات النوم، الخوف من التفاعل على الإنترنت، الشعور بالعزلة، وفقدان الثقة بالنفس والآخرين. وفي كثير من الحالات، يؤدي هذا العنف إلى انسحاب المرأة من العالم الافتراضي، ما يحرمها من فرص مهنية واجتماعية مهمة ويؤثر على حضورها العام ودورها في المجتمع، وللمساواة والديمقراطية نفسها.

التكنولوجيا… جزء من المشكلة وجزء من الحل

الفضاء الرقمي ليس آمنًا للنساء، والقانون وحده لا يكفي. فرغم وجود تشريعات لمكافحة الجرائم الإلكترونية في العديد من الدول، يبقى التطبيق العملي هشًا، نتيجة  ضعف الإنفاذ، نقص التكوين لدى الهياكل الأمنية، وتعقيد جمع الأدلة، إلى جانب عزوف الضحايا عن التبليغ، يجعل الحماية ناقصة. وهنا يبرز دور المجتمع المدني والجمعيات النسوية في تقديم الإرشاد القانوني، الدعم النفسي، والتوعية بآليات الحماية المتاحة.

لكن التكنولوجيا نفسها يمكن أن تتحول من أداة تهديد إلى سلاح دفاعي: التحقق بخطوتين، تشفير المحادثات، التحكم في الخصوصية، الإبلاغ عن الحسابات المسيئة، وتوثيق الأدلة قبل التبليغ، كلها أدوات فعّالة. كما يمكن للمنصات الرقمية تحسين خوارزميات الرصد والاستجابة للشكاوى لتصبح البيئة الرقمية أكثر أمانًا، ويُعاد الحق في التعبير والمشاركة دون خوف أو تهديد.

إن مواجهة العنف الرقمي ضد النساء ليست مجرد معركة قانونية، بل صراع لإعادة تشكيل وعي المجتمع كله. فالتكنولوجيا، التي كانت أداة للفرص، قد تتحول إلى سلاح مدمر إذا تركت بلا رقابة ومسؤولية. حماية النساء مسؤولية جماعية، والمجتمع يجب أن يحمّل المعتدي وزر فعله لا الضحية، ليصبح العالم الرقمي مساحة آمنة تُتيح للنساء حرية التعبير والمشاركة دون خوف. في عالم مفتوح على الجميع، لا مكان للخوف خلف الشاشة… ولا للسكوت عن الظلم.

Rate this item
(0 votes)
« December 2025 »
Mon Tue Wed Thu Fri Sat Sun
1 2 3 4 5 6 7
8 9 10 11 12 13 14
15 16 17 18 19 20 21
22 23 24 25 26 27 28
29 30 31