حيث لا يزال ملف ترشحه موضع خلاف بين الفرقاء الليبيين والفاعلين الدوليين.
فقد تقبلت بعض التيارات السياسية ترشحه باعتباره "جزءً من عملية الانتقال الديمقراطي" بينما رفضت جهات أخرى الخطوة معلنة مقاطعتها للانتخابات في صورتها الحالية " المعيبة " .
في حين اكتنف الغموض موقف المفوضية العليا للانتخابات الليبية بعد أن حذفت تدوينه نٌشرت على صفحاتها تفيد بأنها رفضت ترشح نجل القذافي.
وكانت المفوضية قد أعلنت في وقت سابق ببيان صحافي أن نجل معمر القذافي ، قدّم "أوراق الترشح لرئاسة الدولة وتقدّم بالمستندات المطلوبة إلى مكتب الإدارة الانتخابية في سبها (في جنوب البلاد)، مستكملا المسوغات القانونية".كما أعلنت في بيان أنه استلم بطاقته الانتخابية من المركز الانتخابي المسجل به في سبها.
فما فرص فوزه بكرسي الرئاسة؟ وكيف استقبل الفرقاء الليبيون خبر ترشحه ؟ و ما دلالات ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية في ليبيا؟
"ظهور لافت"
بطريقة وصفها البعض بالدرامية، ظهر سيف الإسلام القذافي ، الأحد 14 نوفمبر/تشرين الثاني محاطا ببعض مسؤولي مفوضية الانتخابات و محاميه خالد الزايدي، الذي لطالما مهَّدَ لعودته للحياة السياسية.
وخلافا للمتوقع، لم يخاطب سيف الإسلام أنصاره، واكتفى برسم ابتسامة عريضة وبترديد آيات قرآنية: "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين... والله غالب على أمره".
و قد اختلف رواد مواقع التواصل في تفسير تفاصيل المشهد وتقييم تصرفات نجل القذافي البالغ من العمر 49 عاما.
فمنهم من اعتبر أن ابتسامته توحي بثقة عالية في نفسه بينما وصف آخرون ابتسامته بالغامضة قائلين إن حركاته تؤكد أنه لم ينضج سياسيا بعد.
رمزية المكان
وقد تناقل معلقون عرب بكثافة صورا لسيف الإسلام داخل فرع مفوضية الانتخابات في مدينة سبها التي تمثل ركيزة أساسية لأي تحالف قبلي في الجنوب الليبي الغني بالنفط والغاز.
كذلك تعد سبها مركز نفوذ تقليدي لقبيلة القذاذفة التي ينحدر منها معمر القذافي.
والمفارقة، أن سبها تٌعتبر أيضا معقلا لبعض القبائل المتحالفة مع قوات شرق ليبيا التابعة لخليفة حفتر الذي يراه مراقبون منافسا قويا محتملا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
و إضافة لسيف الإسلام، من المحتمل أن تشهد الانتخابات الرئاسية مشاركة عدد من الأسماء البارزة مثل اللواء خليفة حفتر ورئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة.
لكن مع تخلف الشخصيات السياسية الهامة عن تقديم أوراق ترشحها حتى الآن، يرى أنصار سيف القذافي أن الطريق بات معبدا أمامه للفوز بكرسي الرئاسة.
بعض الليبيين يدعمون نجل القذافي
يشوب المشهد الليبي تعقيدات عسكرية وانقسامات سياسية حادة، إذ لاتزال البلاد تتأرجح بين شرق يسيطر عليه حفتر، وغرب تتقاسم السيطرة عليه كتائب مسلحة، أهمها كتائب مصراتة.
أفرز ذلك المشهد صعود أصوات تتحسر على الماضي وتحن إلى عهد القذافي.
ومن هذا المنطلق، يرى معلقون عرب أن حظوظ سيف الإسلام في الوصول إلى السلطة، كبيرة. فالبعض ينظر لنجل القذافي كـ" بديل قادر على توحيد الليبيين وتخليصهم من الإملاءات الخارجية".
كما جهت رغد صدام حسين رسالة إلى سيف الاسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي بعد ترشحه للانتخابات الرئاسية في ليبيا.
وقالت ابنة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بتغريدة على حسابها على تويتر أمس الاثنين.
ولكن العديد من الليبيين يرفضون فكرة العودة إلى الماضي مؤكدين أن الحل للأزمة الحالية يكمن في احترام أسس الديمقراطية وتأسيس جيش ليبي قوي.
يصف هؤلاء عودة سيف الإسلام أو رموز النظام القديم بأنها "تهديد لثورة فبراير وخيانة لتضحيات الليبيين الذين حاربوا الدكتاتورية".
علاوة على ذلك توقع معلقون عرب بأن ترشح القذافي سيدخل ليبيا في موجة جديدة من الفوضى.
إلى ذلك، يستبعد فريق ثالث من المعلقين العرب نجاح سيف الإسلام القذافي في الظفر بمنصب الرئاسة، إلا أن ترشحه سيربك حتما التحالفات القبلية ويخلط الكثير من الأوراق، بحسب آخرين.
ورغم الدعم المعلن من جانب معظم الفصائل الليبية والقوى الأجنبية للانتخابات المقرر إجراؤها يوم 24 ديسمبر/كانون الأول فلا تزال الشكوك تحيط بالانتخابات وسط خلافات بين كيانات متنافسة على القواعد والجدول الزمني.
وظل ظهور ومكان وجود سيف الإسلام القذافي طيلة السنوات الماضية غامضين، وأحاط تحركاته بالسرية الى حد كبير، خوفا على الأرجح من التعرض له، لا سيما أنه كان من أبرز أركان نظام والده الذي انقلب عليه الليبيون.
ولعل اختياره سبها لتقديم ترشحه فيها يعود إلى أنها معقل قبيلة القذاذفة، أي المكان الذي لا تزال عائلة القذافي تتمتع فيه بقاعدة شعبية وبنوع من الحماية.
دوافع ترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات
ويضغط المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات في ليبيا، لكن ثمة شكوكا حول تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في ظل تجدد التوتر بين طرفي النزاع في شرق البلاد وغربها مع اقتراب موعد الاستحقاق.
وتم الاتفاق في مؤتمر موسع عقد في باريس يوم الجمعة على فرض عقوبات على أي طرف يعطل الانتخابات أو يحول دون إجرائها لكن لم يتم الاتفاق حتى الآن على القواعد المؤهلة للترشيح.
ورغم أن من المرجح أن يعمد سيف الإسلام إلى استغلال الحنين للفترة التي سبقت انتفاضة عام 2011 التي ساندها حلف شمال الأطلسي وأطاحت بوالده من الحكم ليبدأ عقد من الفوضى والعنف فإن محللين يقولون إنه قد لا يكون في صدارة السباق الانتخابي.
فلا يزال كثيرون من الليبيين يتذكرون الحكم الشمولي القاسي في عهد القذافي كما أن سيف الإسلام وشخصيات النظام السابق ظلت بعيدة عن السلطة لفترة طويلة وربما يجدون صعوبة في حشد الرأي العام بنفس قدرة منافسين رئيسيين.
الوضع القانوني
وعلى الرغم من إعلان مفوضية الانتخابات في ليبيا استكمال سيف الإسلام القذافي "المسوغات القانونية" لعملية تقديم ترشيحه رسميا، يظل الوضع القانوني لنجل القذافي المحكوم في ليبيا بالإعدام، والمطلوب من القضاء الدولي، محل جدل.
فقد قبضت مجموعة مسلحة نهاية العام 2011 على سيف الإسلام القذافي، وتم نقله إلى مدينة الزنتان في غرب البلاد، وقدم للمحاكمة أمام القضاء الليبي.
وصدر في عام 2015 حكم بـ"الإعدام" في حقه، رميا بالرصاص، لتورطه بارتكاب جرائم حرب لقمع الانتفاضة التي أطاحت بنظام والده العقيد معمر القذافي.
لكن الحكم لم ينفذ. في 2017، أعلنت المجموعة المسلحة التي كان محتجزا لديها إطلاق سراحه وفقا لقانون "العفو العام" المثير للجدل الذي أصدره البرلمان الليبي.
لكن إطلاق سراحه لم يخضع لإجراءات قضائية حددها قانون العفو العام، إذ لم تصدر وزارة العدل أو المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) أي قرارات رسمية ترفع عن سيف الإسلام الأحكام الصادرة بحقه.
كما تظل مذكرة "التوقيف" الدولية الصادرة بحقه "سارية" حتى الآن. وأكدت المحكمة الجنائية الدولية الأحد أن مذكرة التوقيف بشأنه لا تزال سارية المفعول.
ويعتبر الباحث الدولي المختص بالشؤون الليبية جلال الحرشاوي أن تقدم سيف الإسلام ترشيحه للانتخابات الرئاسية، سوف يزيد من "هشاشة" العملية الانتخابية برمتها.
وأوضح لوكالة الأنباء الفرنسية "حقيقة أن سيف (الإسلام) يترشح الآن لا يمكن إلا أن يزيد من هشاشة المشروع الانتخابي، والارتباك في الوضع القائم".
بدوره، يرى المحلل السياسي عماد جلول أن سيف الإسلام استغل الصراع والفوضى " ليقدّم مشروعه السياسي الطموح ويظهر بأنه المنقذ لليبيين من الصراع المستمر على السلطة".
و قد غرقت ليبيا في الفوضى بعد ثورة 2011، وتسعى حاليا الى تجاوز هذا الفصل بعد حوار سياسي أطلق في نوفمبر 2020 بين الأطراف الليبية في سويسرا برعاية الأمم المتحدة، وأدى الى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية يفترض أن تشرف على الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر، تليها البرلمانية في يناير من العام المقبل.