الأمر الذي خلف موجة من ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة من المستوى الذي وصل إليه التعليم بعد تفشي ظاهرة تعنيف التلاميذ لأساتذتهم دون اتخاذ إجراءات رادعة للحد من هذه السلوكيات.
و في التفاصيل، تعمّد تلميذ يدرس في السنة الأولى من التعليم الثانوي، مساء الاثنين، وفور دخوله إلى الفصل، طعن أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا بسكين وضربه بساطور بأحد المعاهد الثانوية بمنطقة الزهراء الواقعة بالضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، وتسبّب له بجروح بليغة على مستوى الوجه والرأس والكتف، أحالته مباشرة إلى غرفة العمليات بالمستشفى حيث خضع لعملية جراحية دقيقة.
وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في تونس مقطع الفيديو الذي وصف بـ"الصادم"، حيث أظهر آثار دماء نزفت بغزارة من الأستاذ، خلال إسعافه من قبل زملائه، وصورا لأدوات الاعتداء المتمثلة في سكين وساطور.
استياءً واسعًا
أعادت هذه الواقعة النقاش مجددا حول العنف في المدارس التونسيةدون اتخاذ إجراءات رادعة للحدّ من هذه السلوكيات.
من جهتها، أصدرت وزارة التربية بيانا ندّدت فيه بـ"الاعتداء الشنيع"، التي خلف استياء واسعا داخل الأوساط التربوية، وعبّرت من خلاله عن تضامنها المطلق مع الأستاذ المعتدى عليه، مضيفة أنها تعمل بكل الوسائل القانونية لضمان حقوقه المادية والمعنوية، وتعمل على متابعة الحالة الصحية له بشكل دقيق، كما تم توقيف الطفل المعتدي الذي يبلغ من العمر 17 سنة.
في المقابل، خرج العشرات من الأساتذة في وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة التربية، وأمام المؤسسات التربوية، بدعوة من الجامعة العامة للتعليم الثانوي، حيث حملت الأخيرة مسؤولية الحادث لوزارة التربية.
كما أكدت في بيان، أنها مستعدة "لاتخاذ كافة الإجراءات النضالية دفاعا عن كرامة المدرسات والمدرسين وحرمتهم الجسدية وعن مكانة المؤسسة التربوية العمومية ورمزيتها".
وكان موضوع العنف في الوسط المدرسي من بين المواضيع التي تطرقت إليها دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، صدرت مطلع سبتمبر الماضي، وﺃكد معدو الدراسة إن العنف المدرسي أضحى "ظاهرة خطيرة تعدد المنظومة التربوية، (...) وهي تعكس أزمة المنظومة التربوية".
واعتمدت الدراسة على إحصائيات صدرت عام 2017، وقدرت عدد حالات العنف في المرحلة الإعدادية بأكثر من 44 ألف حالة، وبأكثر من 23 ألف حالة سنويا في المستوى الثانوي.
الجريمة دليل على فشل منظومة التعليم
وتعليقا على الحادث، أوضحت مديرة المعهد حدة الزين عمامي في تصريح للتلفزيون الوطني بأنّ التلميذ المعتدي لوحظ تغيبه عن مقاعد الدراسة قبل أسبوع من العطلة، ودخل اليوم خلال فترة الراحة عند الساعة الـ 4 عصراً إلى الصف أثناء مغادرة زملائه، وشرع في طعن أستاذه، معتبرة أنه لا وجود لأيّ خلفية أو دافع يبرر مثل هذا الاعتداء.
من جهته، قال الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي: إنّ هذه الحادثة جاءت نتيجة تراكمات، وتعبّر عن أزمة مجتمعية خطيرة، وليست متعلقة بالمدرسة أو المدرس، بالنظر إلى ازدياد منسوب العنف في المجتمع وانتهاك المؤسسات التربوية من الخارج، وفق قوله.
وكشف مساعد وكيل الجمهورية، الناطق الرسمي باسم محكمة بن عروس، أنّ التلميذ الذي اعتدى على أستاذه قال في التحقيقات : إنّ الأستاذ رفض أن يمكّنه من إعادة فرض في مادة التاريخ والجغرافيا؛ ممّا جعله يعود إلى المنزل، ويتسلح بسكين وساطور استعملهما أداتين للجريمة.
كماأوضح مساعد وكيل الجمهورية أنّ المعتدي عمد إلى توجيه طعنات متفرقة لجسد أستاذه، مستغلاً فترة الراحة بالمعهد عند الساعة الـ4.
وتعليقا على الحادث، دعا رضا الزهروني، الخبير التربوي ورئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، في تصريح صحفي، إلى وضع استراتيجية وطنية وميدانية لمقاربة العنف المدرسي في تونس، لـ"تحديد مظاهره والحلول الناجعة لمحاربته، مشيرا إلى أن حادث اعتداء التلميذ على أستاذه "دليل على فشل المنظومة التربوية".
التربوية".مؤكدا أن أسباب انتشاره يعود بالأساس إلى "غياب إرادة حقيقية، صحيح أن الحادث أحيا النقاش من جديد حول الظاهرة، ولكن هذا النقاش لن يدوم أكثر من أسبوع، وبالتالي ما نحتاجه هو إجراءات صارمة وفعالة لمحاربة الظاهرة أكثر من زوبعة إعلامية".