وتضم الحكومة الجديدة، التي تقودها بودن، الجامعية المتخصصة في علوم الجيولوجيا، 52 عضوا، من بينهم 8 وزيرات وكاتبة دولة.
وقد تم تعيين بودن بعد أزيد من شهرين على اتخاذ الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية تم بمقتضاها الإطاحة بالحكومة السابقة بقيادة هشام المشيشي وتجميد أشغال البرلمان.
وأشارت بودن، في أول كلمة لها منذ تكليفها في هذا المنصب، إلى أن من بين أهم أولويات عمل حكومتها "مكافحة الفساد الذي يزداد انتشارا يوما بعد يوم ويؤدي إلى فقدان الثقة في أي محاولة إصلاح جذري وحقيقي".
كما شددت على " أهمية تحسين ظروف العيش وفتح باب المبادرة والاستثمار لجميع الفئات "، مؤكدة على ضرورة " التسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية" .
ويرى محللون أن هناك مجموعة من التحديات تواجه الحكومة الجديدة في تونس ، خاصة ملف مكافحة الفساد وتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين ، وكذلك اتخاذ إجراءات عاجلة لضبط منظومة الاقتصاد، ستكون بلا شك على رأس أولويات الحكومة، خاصة مع تزايد الانتظارات الشعبية عقب عشرية عرفت فيها البلاد أزمات متتالية.
كما يشدد هؤلاء على ضرورة " إيلاء أهمية مطلقة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإجراء إصلاحات عاجلة في الإدارة لإنقاذ تونس من شبح الانهيار"، حسب تعبيرهم
محاربة الفساد
على الجانب الآخر، يربط نشطاء نجاح حكومة بودن في تحقيق الإنقاذ الاقتصادي بقيامها بإجراءات عاجلة تهدف إلى تضييق الخناق على ظاهرة الفساد .
خاصة و ﺃنه على مدى نحو عشرية من الزمن استثمرت الحكومات المتعاقبة قضية محاربة الفساد لتلميع صورتها دون تحقيق نتائج إيجابية .
و من المتوقع أن تخوض الرئاسة والحكومة الجديدة حربا مدروسة ضد الفساد تستهدف ظاهرة التهرّب الضريبي إلى جانب العمل على استعادة الأموال المنهوبة بالخارج .
وفي السياق ذاته، يرى محللون ﺃنه على رئيسة الحكومة التوجه نحو ملف إصلاح الإدارة ووضعه كأولوية مطلقة لتعزيز فرص نجاحها في إنقاذ البلاد .
خاصة و ﺃن اللوبيات ومافيا المال قد أحكمت قبضتها على الاقتصاد وسيطرت على أبرز مفاصله من خلال الاستعانة بأشخاص نافذين في مختلف الإدارات على المستويين المركزي والمحلي .
فتغيير خطط الكوادر الإدارية سيقود، إلى كبح قدرات اللوبيات النافذة على التحكم في القرارات المصيرية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، وسيساعد رئيسة الحكومة على تنفيذ إصلاحات عاجلة دون الاصطدام بعراقيل من مختلف المؤسسات الحكومية.
الأولوية للاقتصاد
وفي هذا السياق، يؤكد محللون إن المهمة الضاغطة الأولى أيضا هي معالجة الأزمة الاقتصادية، إذ تحتاج تونس إلى عشرين مليار دولار تقريباً لمواجهة استحقاقات مالية عاجلة.
فالحكومة الجديدة تضم كفاءات معروفة إلى جانب حضور العنصر النسائي والشبابي، وبناء على السير الذاتية للوزراء الجدد، يبدو ﺃن الملف الاقتصادي سيكون أولوية الأولويات في ظل الصعوبات الكبرى التي تمر بها البلاد، خاصة أن الوزارات المعنية على غرار المالية والتجارة أسندت لأبناء تلك الوزارات وهم على دراية كافية بدواليبها وبالملفات المعقدة التي تنتظرهم .
فالرئيس سعيد سيكلف الحكومة الجديدة بالملف الاقتصادي المعقد مع إيلاء الأولوية لمكافحة ظاهرة الفساد للتفرغ للملف السياسي الذي يشمل تغيير النظامين السياسي والانتخابي .
حيث يُعتقل في الجزائر نبيل القروي زعيم حزب " قلب تونس " ، الحزب الثاني في البلاد، وتتآكل حركة " النهضة " ويتركها المئات من رموزها، وتوجَّه الاتهامات إلى عدد من أعضاء البرلمان، ولا يزال الإرهاب يمتلك حفراً في بقاع شتى بالبلاد.
إذا فالسيدة نجلاء بودن، أمامها ملفات ساخنة بل حارقة لا تحتمل الانتظار، خصوصاً الملف المالي، وهي تعتمد بالدرجة الأولى على الرئيس ودعمه، وكذلك علاقاتها الخارجية وخبرتها الطويلة وقدراتها العلمية. تونس اليوم بين يدي قيس ونجلاء في عملية عبور تاريخي نحو كيان جديد بعقل ورؤية وقدرات جديدة على رأسها أستاذان أكاديميان، قيس ونجلاء.
المفاوضات مع صندوق النقد
و إضافة إلى محاربة الفساد و معالجة الأزمة الاقتصادية ، هناك مهمة مستعجلة أيضا لرئيسة الحكومة الجديدة و هي إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بتمويل ميزانية العام الجاري وسداد الديون الخارجية لتجنب وضع البلاد في تصنيف مالي سلبي جديد.
وكان البنك المركزي، قد أبدى، مؤخرا ، انشغاله بخصوص ما وصفه بـ " الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجيات هامة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة للعام الجاري".
ودعا البنك المركزي إلى " تفعيل التعاون المالي الثنائي خلال الفترة المتبقية من السنة لتعبئة ما أمكن من الموارد الخارجية وذلك لتفادي التمويل النقدي في هذه الفترة لما يتضمّنه من تداعيات لا على مستوى التضخم فقط بل أيضا على الاحتياطي من العملة الأجنبية".
"إنقاذ البلاد من الإفلاس"
من جهة أخرى ، يرى المهتمون بالشأن التونسي ، أن النجاح في التعامل مع الأزمة الاقتصادية وإنقاذ البلاد من شبح الإفلاس الذي يخيم عليها، سيمكن رئيسة الحكومة الجديدة من التعامل بثقة أكبر مع بقية الملفات الاجتماعية العالقة.
فالاقتصاد سيكون قاطرة لمعالجة بقية الأزمات التي تتخبط فيها تونس منذ عشرية كاملة على غرار ارتفاع ظاهرة البطالة وتصاعد ظاهرة الهجرة غير النظامية.
فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 18 % بسبب تداعيات وباء كورونا، كما سجل الاقتصاد انكماشا بنحو 8.8 % في العام 2020.