وكان الرد بلهجة صارمة، اختلفت الآراء في تقييمها، وهي حل البرلمان. لتفرض الإشكالية الدستورية نفسها مجددا على الساحة السياسية في البلاد.
ففي حين اعتبره معظم الشارع التونسي " قرارا صائبا "، طالب البعض بضرورة أن يعقبه الإعلان عن تنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها خلال 3 أشهر، بينما وصفت الأطراف المعادية للرئيس تلك الخطوة بـ "غير دستورية".
حل البرلمان "قرار مشروع"
وفي السياق، عبّرت رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس عبير موسي، في فيديو لها على فيسبوك، عن سعادتها بالقرار، ودعت التونسيين إلى الفرح والاحتفال بالخروج المذّل للإخوان، مشيرة إلى أن هذا التنظيم تسبب في إفلاس البلاد، داعية إلى ضرورة محاسبته.
كما طالبت بضرورة الإعلان عن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة في غضون 90 يوما من تاريخ حل البرلمان، مثلما ينص على ذلك الدستور، والبدء في تنقية المناخ الانتخابي، عبر وقف التمويلات الأجنبية لحركة النهضة وغلق الجمعيات الداعمة له.
في حين رأى أمين عام "حركة الشعب" زهير المغزاوي أن حل البرلمان جاء متأخرا، مضيفا أنه قرار سليم في اتجاه الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.
واعتبر أن ما قام به راشد الغنوشي وبقية النواب الذين شاركوا في الجلسة العامة لإلغاء العمل بالتدابير الاستثنائية هي "محاولة لتقسيم الدولة بعد أن أنهكها طيلة سنوات، وهي محاولة تقتضي قرار حل البرلمان"، داعيا سعيد إلى الخروج للشعب وتقديم خارطة طريق مدققة يوضح من خلالها تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية.
بدوره، عبّر حزب "التحالف من أجل تونس" في بيان، عن دعمه لقرار حل البرلمان، مطالبا رئيس الجمهورية بالإبقاء على رزنامة التصحيح المعلن عنها لإنهاء الحالة الاستثنائية، والتي تنص على إجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر بعد تنظيم استفتاء على النظام السياسي وتعديل القانون الانتخابي.
ودعا الحزب رئيس الجمهورية إلى الإعلان قريبا عن حوار وطني يشمل المنظمات الاجتماعية والأطراف السياسية التي لم تتورط مع منظومة الحكم السابقة، وتوسيع فرص التشاركية في صياغة مستقبل تونس وشعبها.
نفس الموقف تبنّاه حزب "التيار الشعبي"، الذي أكد أن قرار حل البرلمان نهائيا "قرار مشروع"، مشيرا إلى أنه كان على سعيد اتخاذه منذ البداية خاصة بعد تحوّله إلى "وكر للتآمر على تونس من قبل بقايا منظومة الإرهاب والعمالة".
كما طالب بفتح ملف المحاسبة باعتبارها الممر الإجباري لقطع الطريق أمام كل محاولات الاستيلاء على السلطة من قبل جماعات الإرهاب والفساد ولتنقية الحياة السياسية من كل الشوائب التي علقت بها.
كذلك، جاء موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، متناغما مع موقف الأغلبية السياسية المؤيدة لقرار حلّ البرلمان، حيث أكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للشغل سامي الطاهري، أن هذه الخطوة "جاءت متأخرة لكنها ضرورية"، مؤكدا أن الموقف الرسمي للاتحاد سيصدر مساء الخميس بعد اجتماع مكتبه التنفيذي.
حل للوضع السياسي
وما بين هذا وذاك، اعتبرت مجموعة "مساريّون لتصحيح المسار"، قرار الرئيس قيس سعيّد، حل مجلس نواب الشعب، "يمكن أن يمثل وسيلة لإيجاد حل للوضع السياسي الصعب الذي تعيشه البلاد منذ ما قبل 25 يوليو 2021 وبعده".
لكن المجموعة ربطت هذا بمجموعة أخرى من الإجراءات الكفيلة بتجميع كافة القوى الوطنية والاجتماعية، حتى تخلق ميزان قوى متين لفائدتها، على أساس برنامج وطني لإنقاذ البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي باتت تهدد أسس الدولة ووحدتها".
وقد وجّه "مساريّون لتصحيح المسار"، في بيان لهم اليوم الخميس، نداء ملحا إلى رئيس البلاد "بصفته مسؤولا عن ضمان أمن البلاد ووحدتها، كي يبادر في أقرب الأوقات بالدعوة إلى الحوار الوطني، بمشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل وجميع القوى والمنظمات السياسية والاجتماعية والمدنية الحريصة على إيجاد مخرج إيجابي من الأزمة".
وشدد على ضرورة مناقشة "تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها، بعد الاتفاق على التحويرات اللازمة على النصوص المتعلقة بالعملية الانتخابية وكذلك المصادقة على جملة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة التي من شأنها ضمان انخراط أوسع القوى الوطنية والاجتماعية والشعبية في برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي لإنقاذ البلاد من نتائج السياسات الخاطئة التي ميزت الفترات السابقة".
ونبهت المجموعة إلى أن "القرارات المعلنة خلال الاجتماع الافتراضي الذي عقده أمس الأربعاء، بعض النواب في البرلمان (المنحل)، رغم أنه لا يمكن أن يكون لها أي أثر قانوني أو عملي، فإنها لا يمكن إلا أن تزيد الوضع السياسي تعقيدا ونفسية المواطنين حيرة وتأزما".
قرار تاريخي
واعتبر حزب حركة تونس إلى الأمام، أن "القرار التاريخي الذي اتخذه رئيس الدولة والمتمثّل في حل البرلمان، جنّب البلاد الانجرار إلى مربّع العنف وإلى الفوضى ووضع حدّا للاستهتار بالدولة ومؤسساتها".
وأعلن الحزب عن تمسّكه بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدّد، ديسمبر/كانون الأول الماضي، مؤكّدا أنّ إجراءها قبل ذلك "سيُعيد تونس إلى مربّع ما قبل 25 يوليو 2021".
وشدّد في بيان صادر اليوم الخميس على "ضرورة تسريع نسق المحاسبة وتطبيق القانون على كل قوى الثّورة المضادّة، ممن تورّطوا في الفساد المالي والإداري والإرهاب، من أجل إجراء انتخابات في مناخ شفّاف ونزيه ونقيّ وذلك تجاوزا لما ميّز مسار التّصحيح من تباطؤ".
ورأى أن "مشاركة القوى الدّاعمة لمسار 25 يوليو، في مناقشة الدستور المقترح والقانون الانتخابي، هو خيار أساسي لتحقيق أهداف الثورة".
ودعا مجددا إلى "تشكيل حالة سياسية دور مكوّناتها الدّفاع عن منهج تصحيح المسار الثّوري، درءا لمخاطر الارتداد بأنواعها، وعن استقلالية القرار الوطني ورفضا لكلّ أشكال التدخّل الأجنبي في خيارات تونس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".
وأضاف أنّ "ما انبثق عن اجتماع النّواب، أمس الأربعاء، بقيادة حركة النهضة، من قرارات تمثّل خطرا يتهدّد أمن البلاد والدّولة ومؤسّساتها، دفع رئيس الجمهورية إلى اتّخاذ قرار تاريخي، تمثّل في حلّ البرلمان".
من جهته، اعتبر العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة، أن الفصل 72 من الدستور الذي استند إليه القرار الرئاسي، يخوّل رئيس الجمهورية حل البرلمان، قائلا "بما أنه صارت محاولة تمرّد ومحاولة للانقلاب على المرسوم 117، فإن هذا الفصل من الدستور هو الذي يمكن من الحفاظ عمليا على وحدة الدولة واستقلالها واستمراريتها، بعدما أرادوا تقسيمها والقضاء عليها ورهنها لأطراف أجنبية".
وبخصوص الداعين إلى تنظيم انتخابات خلال 90 يوما، أوضح بن سلامة في بيان، أنّ الفصل 72 الذي اعتمد عليه الرئيس لا يتحدّث إطلاقا على انتخابات مبكرة، مشيرا إلى أن البلاد لا تزال تحت طائلة الفصل 80 من الدستور الذي يخول للرئيس اتخاذ جميع التدابير الاستثنائية التي يراها ضرورية، لافتا إلى أنّ الانتخابات البرلمانية ستكون في موعدها الذي أعلن عنه الرئيس وهو 17 ديسمبر المقبل.
خرق للدستور"
في المقابل، عبرت أحزاب أخرى عن رفضها لقرار الرئيس قيس سعيد حل مجلس نواب الشعب.
و بدوره، أعلن حزب التيار الديمقراطي، في بيان له الخميس، عن رفضه لحل مجلس نواب الشعب.
وأعلن إن هذه الخطوة تعدّ "خرقا آخر للدستور" وتمثّل ''تأكيدا لنزعته نحو الاستبداد"، وأبدى دعمه لقرار البرلمان المجمّد إنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية.
وجدّد دعمه لحوار وطني "هادئ وعقلاني" حول خارطة طريق تحترم الشرعية الدستورية وتفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وفق قانون انتخابي يضمن أخلقية المشهد السياسي وعقلنته.
وللإشارة تواجه حركة النهضة الإخوانية في تونس منذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية في البلاد، صيف العام الماضي، مجموعة من الاتهامات تتعلق بإفساد المجال السياسي وتلقي تمويلات خارجية واختراق القضاء، فضلا عن الاتهامات التي تتعلق بالإرهاب والاغتيالات السياسية.
و يذكر أن سعيّد كان حل البرلمان، مساء الأربعاء، بعد أشهر من تجميده، وذلك عقب قيام أعضاء بالبرلمان المجمّد بتشريع قانون يلغي الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس صيف العام الماضي، وهو إجراء اعتبره سعيد "محاولة فاشلة للانقلاب على الدولة وتآمرا مفضوحا على أمنها ومؤسساتها"
. واستند الرئيس التونسي في قراره هذا إلى الفصل 72 من الدستور الذي ينص على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور".