في خضم مطالب محلية ودولية بالإعلان عن خارطة لإنهاء "الإجراءات الاستثنائية" التي أقال بموجبها الحكومة وجمد أعمال مجلس النواب.
أعلن الرئيس التونسي ، قيس سعيّد ، مساء الاثنين ، عن جدول زمني للخروج من "التدابير الاستثنائية" التي فرضها منذ يوليو/تموز الماضي.
فمن سينخرط في خريطة الطريق؟ ماذا عن الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية؟ كيف سيكون شكل الإصلاحات المنتظرة؟
أبرز معالم المرحلة المقبلة
ووفقا للخطة التي أعلن عنها قيس سعيّد، فإن التونسيين سيكونون على موعد مع تنظيم استفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل بشأن تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وأضاف سعيّد أن التعديلات على الدستور ستأتي بعد استشارة "شعبية" عبر الإنترنت تبدأ في يناير/كانون الثاني، مشيرا إلى أن عمل مجلس النواب سيظل معلقا حتى انتخاب البرلمان الجديد.
وأوضح "يبقى المجلس البرلماني معلقا أو مجمدا إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة".
وستنطلق الاستشارة الوطنية الإلكترونية بداية كانون الثاني/يناير 2022 وتنتهي في 20 آذار/مارس القادم و"ستتولى لجنة تأليف مختلف المقترحات"، حسب سعيّد.
وموعد الاستفتاء هو ذكرى إعلان الجمهورية التونسية والذكرى السنوية لإجراءات سعيّد المفاجئة بتعليق البرلمان وإقالة رئيس الوزراء والسيطرة شبه الكاملة على السلطة التنفيذية.
وتجاهل سعيّد في سبتمبر/أيلول غالبية بنود دستور 2014 ، وقال إنه يستطيع الحكم بمرسوم خلال فترة إجراءات استثنائية، متعهدا بإجراء حوار حول المزيد من التغييرات.
"لا رجوع إلى الوراء"
وخلال خطابه، قال سعيّد إن عمل البرلمان سيظل معلقا إلى أن ينتخب التونسيون برلمانا جديدا يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو ذكرى الثورة التي أدخلت الديمقراطية إلى البلاد.
ورد الرئيس على منتقديه وقال "لا رجوع إلى الوراء أبدا، ومن يريدون أن يسيروا عكس مسار التاريخ، فليعلموا أن الشعب لفظهم والتاريخ لفظهم".
وأضاف أنه سيشكل لجنة خبراء لصياغة دستور جديد يكون جاهزا بحلول يونيو/حزيران قبل الاستفتاء.
استجابة للمطالب الشعبية"
رأى الداعمون لخطوات سعيّد منذ 25 يوليو/تموز أن الإعلان الجديد يشكل خطوة مهمة، لأنه وضع سقفا زمنيا للتدابير الاستثنائية وحدده بسنة كاملة، كما أنه قدم خارطة طريق للمرحلة المقبلة.
وبعيد إعلان الرئيس عن قراراته، خرجت مظاهرات تأييد في العاصمة ومدن أخرى على الرغم من حظر التجول الليلي.
و من جهة أخرى ، أوضح الداعمون للقرارات أن سعيّد كان وفيا لتعهداته وملتزما بكلمته ، و أن خطابه كان متناغما مع مطالب الدول الخارجية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
و يرى عديد المحللين السياسيين أن أغلبية الشعب التونسي "يلتف حول قرارات الرئيس ويدعمها بشكل كبير لأنه عاش تجربة حكم الإخوان فيما يطلق عليه (العشرية السوداء)، التي شهدت البلاد خلالها تدهورا غير مسبوق على جميع المستويات، فضلا عن استغلال قيادات التنظيم لمناصبهم في الدولة من أجل خدمة مصالح التنظيم الدولي.
وعلى ما يبدو أن الرئيس منسجم تماما مع نفسه ووفي لوعوده التي أطلقها في 25 وما قبل وما بعد، حيث أن الدور في المرحلة المقبلة يقع على عاتق كافة القوى الوطنية والسياسية لبناء مرحلة جديدة قائمة على اعتبار حركة النهضة الإخوانية خارج المشهد السياسي.
فالالتفاف حول القيادة السياسية وتوحيد صف القوى التونسية يعتبر أمر جيد لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن، كما أنه سيسهم في تذليل العقبات وتعميق الدعم الدولي لما يقوم به الرئيس سعيّد.
تعطيل إجراءات الرئيس
ويرى البعض أن الدعوات التي أطلقتها حركة النهضة للتظاهر في البلاد، لا تعدو كونها محاولة لتعطيل إجراءات الرئيس، وتغيير قواعد الاشتباك السياسي على الأرض، وفرض تواجد الحركة التي باتت منبوذة في الشارع وليست لديها أي شعبية.
فتورط حركة النهضة الإخوانية في عشرات القضايا جعلها منبوذة من الشارع، وفقدت أي مصداقية أو شعبية لها، فضلا عن تلاعبها بالمؤسسات القضائية ومحاولة اختراقها واستغلالها إبان فترة حكمها للبلاد، وتعمد إخفاء نحو 60 ألف ملف يتعلق بالقضايا الاغتيالات السياسية والجهاز السري للتنظيم.
الدستور ساهم في تعطيل الحياة السياسية
حول الإجراءات الجديدة، أوضح أستاذ الفلسفة السياسية في الجامعة التونسية، " فريبد العليبي"، أن الدستور الحالي ساهم في تعطيل الحياة السياسية، ما يستوجب تغييره إلى جانب القانون الانتخابي.
وتابع أيضًا إن الدولة تحتاج لسلطة قوية وقرار مركزي، وأن " تونس " لا يتهددها خطر حكم الفرد الواحد.
و يؤكد المحامي والناشط السياسي التونسي، " حازم القصوري " ، بهذا الشأن أن: " حركة (النهضة) هي التي وضعت دستورًا على المقاس، وبطريقة عجيبة غريبة، ولعل حتى الأحكام الانتقالية التي وضعتها لم تحترمها، وبالتالي هي سقطت نتيجة سوء عملها" .
وأشار إلى أن: " الدستور اليوم غير محترم من قبل حركة (النهضة)، وكان لزومًا على الرئيس، سعيد ، أن يتخذ القرار، خاصة أمام هذا الإرباك لمؤسسات الدولة، حيث كان ينوي، الغنوشي، وجماعته تفكيك الدولة إلى كيانات مستقلة عن بعضها البعض وفق تجربة أخذها من الخارج، ويُريد إسقاطها على الواقع التونسي، وهذا ما يرفضه الرئيس مدعومًا من الشعب التونسي. "
و يذكر أنه بعد تجميد عمل البرلمان، قرر سعيّد في 22 أيلول/سبتمبر تجميد العمل بقسم واسع من الدستور ومنح نفسه سلطة التشريع عبر مراسيم، بناء على أمر رئاسي. وأعلن عن تشكيل حكومة في تشرين الأول/أكتوبر برئاسة أستاذة الجيولوجيا نجلاء بودن، تعمل بصلاحيات محدودة تحت إشراف الرئيس.
إلى ذلك، لم يتطرق سعيّد في خطابه إلى الشق الاقتصادي خاصة أن تونس تمر بفترة عصيبة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لاقى انتقادات عديدة إذ لم يقدم الرئيس وحكومته عناوين اقتصادية واضحة للمرحلة المقبلة.