لقد قطعت شوطًا طويلًا في طريق الكفاح، وحصدت اعترافًا مستحقًا بقدرتها على القيادة والعطاء، لكن وراء هذا الاعتراف تختبئ معاناة صامتة لا تُحكى كثيرًا."امرأة مرهقة تحاول أن تكون كل شيء في وقت واحد، فكان الثمن باهظًا: تعب نفسي، ضغط اجتماعي، وصراع داخلي لا يُرى بالعين.
فهل نالت المرأة حقها فعلاً، أم أضيفت إلى مهامها مهمة جديدة باسم المساواة؟
من الحلم بالعدالة إلى سباق لا ينتهي
لعقود، وحين نادت الحركات النسوية الأولى بالمساواة، كان الهدف أن تحصل المرأة على فرصة عادلة في التعليم والعمل واتخاذ القرار.
و بالرغم من نجاح المرأة في اقتحام كافة الميادين، وأثبتت جدارة توازي، وتفوق أحيانًا، جدارة الرجل.
لكن المعادلة لم تكن عادلة تمامًا.
فبينما خرجت المرأة للعمل مدفوع الأجر خارج البيت، كان العمل المنزلي غير المدفوع الأجر ينتظرها داخله دون تغيير يُذكر في تقسيم الأدوار.
إن المجتمع الذي هلّل لنجاحها المهني ،لا يزال يتوقع منها أن تكون المسؤولة الأولى عن رعاية الأطفال، وإدارة شؤون المنزل، والاهتمام بالتفاصيل العائلية والاجتماعية.
القوة المرهقة... حين تتحول الطموحات إلى ضغوط
يريد المجتمع المرأة المثالية في كل شيء: المتعلمة والناجحة، الموظفة النجمة، لكنه أيضًا ينتظر منها أن تبقى الأم المثالية ، الزوجة المتفانية المتفهمة ، الصديقة الداعمة ، والإنسانة الهادئة.
فالمرأة التي تُتقن كل أدوارها لا تُكرَّم، بل يُنتظر منها أن تُكرّر الأداء كل يوم دون كلل، وكأنّ نجاحها أصبح واجبًا وليس إنجازًا.
مجتمع لا يمنحها نصف الراحة ولا نصف الفرصة الحقيقية، ولا نصف الاحترام في القرار ، لكنه يطالبها أن تكون " نصف المجتمع " بكل طاقتها.و هنا تبدو المساواة شكلية حيث ان المرأة حاضرة في كل مكان، لكنها تعيش تحت ضغط أن تكون كاملة دائمًا ، تتألم بصمت، لكنها تواصل بابتسامة.
وهكذا، أصبحت المساواة في كثير من الأحيان شكلية أكثر منها واقعية.
فكيف نخلق توازناً حقيقياً يحمي إنسانيتها؟
ان المشكلة ليست في "المساواة " كمبدأ، بل في "تطبيقها" المشوه. المساواة الحقيقية لا تعني أن تؤدي المرأة دور الرجل والمرأة معاً. بل تعني إعادة هيكلة المجتمع بأكمله ليصبح أكثر إنسانية للجميع.و ان يتم الانتقال من " المساعدة " إلى " المسؤولية المشتركة "حيث ان التوازن يبدأ من المنزل.
و يُعترف بأنّ الأمومة ليست عائقًا بل عطاء، وأنّ العمل المنزلي قيمة لا تقل عن العمل المهني.
و يُربّى الرجل منذ الصغر على المشاركة لا التفضيل، وعلى أن البيت مسؤولية مشتركة لا واجب أنثوي.
كما وجب على الشركات والمؤسسات التخلي عن ثقافة "العمل لساعات طويلة" كمعيار وحيد للإنتاجية. و توفير خيارات العمل المرنة، والعمل عن بُعد، وتقييم الأداء بناءً على النتائج لا على ساعات الحضور، ودعم إجازات الأبوة (وليس الأمومة فقط)؛ كلها خطوات ضرورية لتمكين الرجال والنساء من الموازنة بين العمل والحياة.
لان المساواة لا يجب أن تعني تشابه الأدوار، بل تكاملها بروح العدالة، لأنّ العدالة هي جوهر المساواة الحقيقية.
و في النهاية، حين نفهم أن العدالة لا تعني تشابه الأدوار، بل احترام اختلافها، نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو إنصافٍ حقيقي للمرأة والإنسان معًا .
فالتحدي اليوم ليس فقط " تمكين" المرأة من الوصول إلى القمة، بل ضمان ألا تفقد " إنسانيتها " وهي في طريقها إلى هناك. التوازن الحقيقي هو أن نُعيد تعريف النجاح، ليصبح القدرة على العيش بكرامة وطموح وراحة بال في آن واحد.






















