" بالقديد " و" الملوخية ".. هكذا تحتفل العائلات التونسية برأس السنة الهجرية

تموز/يوليو 17, 2023

رأس السنة الهجرية هو اليوم الأول من العام الجديد بحسب التقويم الهجري، و يحيي فيه جميع المسلمين ذكرى الهجرة النبوية التي قام الرسول  صلى الله عليه وسلم، من مكّة المكرمة إلى المدينة المنوّرة التي كانت تسمّى ”يثرب” وهو يوافق بداية شهر محرّم.

 و تحتفل به  سائر الشعوب الإسلامية  كلّ على طريقته و تونس كغيرها من الدول العربية والإسلامية، تعيش اليوم عاداتها وتقاليدها، بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، عادات تتلاقى في الاحتفال بالمناسبة لكنها تختلف من ولاية إلى أخرى

و لئن ارتبط حلول العام الهجري في تونس بالمطبخ، فإنّ طرق وداع السنة المنقضيّة تختلف من مدينة تونسيّة إلى أخرى و تتنوّع بين العائلات، فمنها من يودّع السنة بأطباق الملوخيّة تيمّنا بلونها الأخضر ليكون "العام صابة" و أطباق الكسكسي و الكسكسي بالقدّيد  و المحمصّ بالقدّيد..

فعلى سبيل المثل نجد في جهة الوطن القبلي أو ولاية نابل، تحيي هذه المناسبة الدينية بعادة مميزة وهي صنع عرائس السكر، وهي فصل مهم من حكاية مدينة نابل مع السنة الهجرية، إلى جانب اعداد طبق الكسكسي ”بالقديد” الذي يعد بالزعفران وماء الزهر، ويتم تزيينه بالبيض المسلوق والحمص والفول والحلوى من كل الأشكال والفواكه الجافة والزبيب وأيضا ما يميز نابل في هذا اليوم، هود شراء ”مثر” رأس العام، وهو صحن من الفخار تتوسطه عروس السكر ويقع تزيينه بالفواكه الجافة والحلوى والتمر.

مدينة قابس، أيضا لها عادتها المعروفة، أهمها طبق الملوخية ليكون العام ”أخضرا”، الملوخية القابسية التي يتم تحضيرها بطحن ورقاتها إلى ان تصبح دقيقا ناعما ويتم طهيها لعدة ساعات على نار هادئة في قدر مصنوع من الفخار أو النحاس حتى تكون أكثر لذة.

في ولايات الجنوب التونسي، وفي جزيرة الأحلام جربة وغيرها من مدن الجنوب الشرقي، لاتخلو المنازل من طبق المحمص بالقديد والكثير من البقول وتزيينه بكميات كبيرة من البيض الملون الذي يتم توزيعه بعد ذلك على الأطفال، وأيضا استقبال العام الجديد بتحضير طبق الكسكسي بلحم ”الراس” أو القديد، ثم يتم تبادل الأطباق التي تطبخ مع الجيران والأقارب والقيام بالزيارات العائلية، وتسعى العائلات المتصاهرة إلى زيارة بعضهم البعض ويجد الخطيب نفسه مجبرا على تخصيص جانب من دخله لشراء الهدايا لخطيبته وتنقلب مثل هذه المناسبة الدينية في وجه من وجوهها إلى المحافظة على عادات الأجداد.

وتشتهر ولاية توزر بإحياء جملة من العادات والتقاليد ترسخ الموروث الثقافي بالجهة في إطار الاحتفال برأس السنة الهجرية ومنها التبرّك بالحناء وإعداد الملوخية والحرص على استقبال السنة الهجرية باللون الأخضر ليكون العام «صابة» إذ لازالت بعض النسوة وخاصة المسنات منهن يتجملن بالحناء ومازالت الكثير من البيوت تستقبل أول أيام السنة الجديدة بإعداد أكلة الملوخية وملء الجرار بروائح العنبر والبخور أملا في ان يكون العام عام خير وبركة.

كما يحتفل "  البنزرتيون  "بطريقتهم الخاصة على مرّ السنين وقد توارثوا عادات وتقاليد بقيت صامدة الى الآن رغم تطوّر الحياة في هذه الربوع، فقد تعوّد أهالي مدينة بنزرت بالاحتفال بهذه المناسبة قبل حلولها بيومين حيث تحرص العائلات على طهو الكسكسي بالعصبان الجاف ويعبر عنه الأهالي «بالعصبان الشائح» ليأتي دور الملوخية في الغد ومنهم من يستعمل فيها اللّحم أو " الهرْماش" .

وفي يوم رأس السنة يتمسّك الجميع بإعداد المرقاز المشوي والبيض المسلوق أما الغداء فهو برغل بالقدّيد والمراز والبرغل نوع يشبه الكسكسي يتمّ اعداده بطريقة تقليدية.
أما الحلقات النسائية فترتكز على زيارة الجوامع أو الزوايا ولو أن الحلقات الفنية الموسيقية بالزوايا مثل زاوية المنوبية أو المسطاري انقرضت.

و على غرار بقية المدن يحرص أهالي صفاقس على الاحتفال برأس السنة الهجرية وتتدعم خاصة الزيارات العائلية التي عادة ما يتمّ فيها الاتفاق أو التشاور حول الخطبة أو الزواج لأن في خيال بعض العائلات ما يفيد أن الاقتران المتزامن مع بداية السنة الهجرية يكون طالع خير.
بعيدا عن الزيارات تتهيأ العائلة بصفاقس لطبخ الملوخية استنادا الى لونها الأخضر الذي يُبشر بسنة خضراء ملؤها التفاؤل وإلى جانب هذا تطبخ العصيدة العربي نظرا لبياضها الذي يحيل بدوره الى الاستبشار بسنة جديدة.

إن رأس السنة الهجرية مناسبة مقترنة بأكلات شعبية كالكسكسي بالقديد والفول والبيض المسلوق . وبما أن رأس السنة الهجرية قريب من عيد الاضحى فإن كل أسرة تعد القديد لهذه المناسبة ولقد توارثت نساء الساحل كيفية إعداد القديد عبر الأجيال.
الملوخية تسجل أيضا حضورها وقد أكد العديد من شيوخ الجهة أن ملوخية رأس العام يُرجى من خضرتها أن يكون العام الجديد أخضر. لم تكن  الملوخية من الأكلات المتداولة في جهة الساحل قبل عقود قليلة إلا أن كثرة انتقال العائلات وانتفاء المسافات جعل مثل هذه الأكلة تسجل حضورها في أغلب البيوت التونسية.

لكن هناك  من العادات ما  اندثرت ولم يعد موجودة سوى ببعض الأرياف ظاهرة ترك البيض تحت “ميزاب الماء ” ليلة كاملة على أن يُطبخ في الغد لما في الماء من إحالة على النّماء والعيش الكريم.

و يتجاوز العام الهجري ارتباطه بالمطبخ ليتيح الفرص للعائلات المتصاهرة للزيارة حفاظا على ما دأب عليه الأجداد و ما أوصى به دين الإسلام من قربى و صلة رحم بين الأقارب و حتّى الأجوار.

Rate this item
(0 votes)

تفضيلات القراء

Error: No articles to display

« May 2024 »
Mon Tue Wed Thu Fri Sat Sun
    1 2 3 4 5
6 7 8 9 10 11 12
13 14 15 16 17 18 19
20 21 22 23 24 25 26
27 28 29 30 31    

ترند اليوم

Error: No articles to display

ترند الموقع

Error: No articles to display

بسبب تغاضيه عن  ملف تدليس شهادات علمية.. قيس سعيد يقيل وزير التربية

القصرين : إبرام اتفاقية شراكة بين الشبكة والولاية والمندوبية الجهوية للصناعات التقليدية

القصرين : المصالح الجهوية تتسلم دفعة من صهاريج المياه ومساعدات مالية

تسليم معدّات صيد بحري لصغار الفلاحين و العائلات المحدودة الدخل بجزيرة قرقنة

القصرين وسليانة  :  انطلاق برامج إحداث مشاريع تنموية لفائدة النساء الريفيات

تسجيل أكثر من 200 اعتداء على الصحفيين خلال سنة

القضية الفلسطينية وتجريم التطبيع: مظاهرة وطنية بالعاصمة السبت القادم

البنك الدولي: بإمكان تونس توسيع برامج تنقل الأفراد لتسهيل الهجرة الشرعية

تونس تشارك في الدورة السادسة لمعرض الصين الدولي