منذ سنوات ، يشكو التونسيون من ندرة الزيت المدعّم في الأسواق، إذ أصبحت زجاجاته تُباع وكأنها سلعة نادرة لا تُمنح إلا " بالمعرفة " أو " بالدور" . لم يعد هذا الزيت متوفرًا في السوق ولا في دكاكين الأحياء، حيث لا يجد المواطن سوى الزيوت البديلة ،لكن اسعارها تظل مرتفعة مقارنة بالزيت المدعم ، حيث يتجاوز سعر اللتر الواحد منها 6 دنانير ، أي ما يفوق طاقة العائلات محدودة الدخل.خلال هذه الفترة ،التى تتزامن مع موسم الصيف والعودة المدرسية وشهر رمضان والأعياد، وهي مواسم ترتفع فيها النفقات الأسرية
في المقابل، تتزايد تساؤلات المواطنين: أين يذهب الزيت المدعّم؟ ولماذا لم يعد متاحًا كما كان؟
تو ترجع الجهات الرسمية الأزمة إلى اضطرابات في التوريد العالمية وارتفاع أسعار الزيوت النباتية في السوق الدولية، إلى جانب مشاكل في منظومة التوزيع. لكنّ الواقع المعيشي يكشف خللاً أعمق: ضعف المراقبة، وتهريب جزء من الكميات، واستغلال بعض الوسطاء للدعم في غير موضعه.
حسب أرقام منظّمة الدّفاع عن المستهلك، فإنّ 18 بالمائة فقط من الزّيوت النباتيّة المدعّمة تُوجَّه إلى الاستهلاك، فيما تضيع النسبة الأكبر والمقدّرة بـ82 بالمائة بين المطاعم ومحلات بيع الفطائر وصانعي الدّهن وصنع الوقود الحيوي. عقوبات إدارية وخطايا ماليّة تم تسليطها على المخالفين، وصلت إلى 100 ألف دينار...
تونس التي كانت تفخر بسياسة دعمها للمواد الأساسية، تجد نفسها اليوم أمام معادلة صعبة بين حماية القدرة الشرائية وترشيد النفقات العمومية. المواطن، من جانبه، لا يعنيه سوى أن يجد قارورة الزيت على رفّ دكان الحيّ بسعره المدعّم، دون أن يُضطر للانتظار أو البحث في السوق السوداء.
يبقى الزيت المدعّم مرآة لواقع اقتصادي واجتماعي أعمق، يكشف هشاشة المنظومة وضعف التنسيق بين الدولة والمتدخلين في السوق. وبين الوعود الرسمية والواقع اليومي، يظل الزيت المدعّم " الحاضر الغائب" الذي ينتظره المواطن كل يوم... ولا يجده.
تقول فاطمة، ربة بيت من ضاحية منوبة:
" كنت نلقى الزيت بسهولة، اليوم نلف على خمسة دكاكين وما نلقاهش. وقت يجي، ياخذوه التجار بالجملة، وإحنا المواطن البسيط نرجع خاوي اليدين. الدعم وُجد لينا، أما ما عادش يوصل لينا " .
ويضيف عمّ علي، متقاعد من حي التضامن:
" الزيت المدعّم ما عادش نعرفو إلا في الأخبار. نحاول نعيش بالقليل، لكن كيف المادة هذي تختفي، تولي الحياة صعيبة. حتى الماكلة اليومية ولّت محسوبة بالقطرة ."