ساعات عمل طويلة وأجور منخفضة
في أحد الأحياء الشعبية، تبدأ " فاطمة " يومها قبل شروق الشمس. تنظف البيت، تُعدّ الفطور، و أعمال لا تنتهي. تعمل أحيانًا أكثر من عشر ساعات يوميًا، دون عقد مكتوب أو تحديد دقيق للأجر وساعات العمل. وتحملّ مختلف الأعمال المنزلية في عائلاتها، مما لا يترك لها أيّ وقت للراحة. تقول: " نخدم على روحي، ما عنديش ضمان، وإذا مرضت نلقى روحي وحدي .. "
بخته (41 سنة)، عاملة منزليةمقيمة منذ 15 عامًا، أكدت أنها تعمل بدون تغطية اجتماعية، وتحصل على أجر يومي يتراوح بين 30 و40 دينارًا، وراتب شهري بين 380 و420 دينارًا، مع أوقات عمل لا تقل عن 9 ساعات يومياً، وأحياناً 14 ساعة، أي منذ استيقاظ أفراد العائلة حتّى خلودهم للنوم . وأضافت " هناك من يتعرّضن للإهانة والاعتداء بالعنف وهضم حقوقهن المادية" .
زميلتها حليمة (32 سنة) أشارت إلى أن القانون ينص على التغطية الاجتماعية بعد ثلاثة أشهر من العمل، لكن ذلك لا يحدث في الواقع، ويضاف إلى ذلك تفاوت الرواتب والمعاملة بين الأسر، حيث يتعرض بعض العمال لسلوك مهين وعنيف أحيانًا.
التشريع والواقع: فجوة كبيرة
رغم صدور قوانين تنظم العمل المنزلي وتجرّم تشغيل الأطفال، يظل التطبيق محدودًا، فالبيت فضاء خاص يصعّب التفقد والرقابة. هذا الغياب يفتح الباب أمام تجاوزات: تأخير الأجور، حرمان من أيام الراحة، تكليف بمهام إضافية، وأحيانًا عنف نفسي وجسدي.
جمعيات المجتمع المدني وناشطون في حقوق الإنسان يؤكدون أن المشكلة لا تقتصر على النصوص القانونية، بل تمتد إلى الثقافة المجتمعية. فالكثيرون ينظرون إلى عاملة المنزل كـ " جزء من العائلة" ، وهي عبارة قد تُستخدم لتبرير غياب الحقوق الواضحة.
و ينص العقد النموذجي للعمل المنزلي على توفير ظروف عمل لائقة، تسجيل العامل لدى الضمان الاجتماعي، واحترام شروط الصحة والسلامة المهنية، بينما يُتوقع من العامل التزام السلوك المهني، الانضباط، والسرية، ومراعاة مصالح صاحب العمل.
أرقام صادمة وواقع هش
دراسات سابقة كشفت أن 97٪ من العاملات لا يملكن عقود عمل أو تغطية اجتماعية، ومعظمهن لا يتمتعن بعطلة أسبوعية أو سنوية مدفوعة الأجر، ما يدفعهن للعمل أكثر من طاقتهم لتأمين معيشتهن ومعيشة أسرهن.
عدد ساعات العمل اليومي يتراوح بين 6 و14 ساعة حسب نوعية العمل (عرضي أو مقيم). الرواتب لا تقل عن 400 دينار لمعظم العاملات، وأحيانًا لا تتجاوز 600 دينار، أي أقل من الحد الأدنى للأجور في بعض الحالات. كما أظهرت الدراسات أن نسبة العاملات القاصرات (12-17 عامًا) تصل إلى 17.5٪، مع غياب الحماية والتأهيل.
اليد العاملة الأجنبية والمنافسة
بعض الأسر التونسية تستعين بعاملات أفريقيات، خصوصًا من دول جنوب الصحراء، بسبب قبولهن برواتب أقل وجديتهن في العمل، ما خلق منافسة مع اليد العاملة التونسية. وسائل استقدام هؤلاء يتم عبر وسطاء، في حين ينضم بعض التونسيات الجامعيات أو الحاصلات على شهادات عليا إلى هذا القطاع بحثًا عن فرص عمل.
رغم وجود مبادرات لتحسين ظروف العمل، مثل إعداد عقود نموذجية، تنظيم دورات تحسيسية، والمطالبة بإدماج العمل المنزلي في منظومة الحماية الاجتماعية، تبقى هذه الجهود محدودة بدون إرادة سياسية ورقابة فعلية.
و يبقى واقع عاملات المنازل مرآة لمدى احترام المجتمع لحقوق العمل والكرامة الإنسانية. حتى تُفتح الأبواب المغلقة أمام الإنصاف، سيظل هذا العمل الأساسي يُمارس في الظل، بانتظار اعتراف حقيقي يضمن الحقوق ويحمي الكرامة.