Print this page

حين تتكلم الألوان… كيف تُعيد تشكيل سلوك الإنسان دون أن نشعر؟

تشرين2/نوفمبر 25, 2025

في عالمٍ محاطٍ بالشاشات واللافتات والواجهات الرقمية، لم تعد الألوان مجرّد خلفية صامتة، بل تحولت إلى " لغة "  تؤثّر في المزاج، السلوك، وحتى القرارات اليومية.

من اختيار الملابس صباحًا، إلى الإحساس بالراحة في غرفة معيّنة، مرورًا بإعلانات الشارع كل لون يقول شيئًا، وكل ظلّ يحمل رسالة نفسية غير مرئية ، بين الأحمر الذي يرفع نبض القلب، والأزرق الذي يهدّئ الإيقاع الداخلي، والأصفر الذي يوقظ الحواس يتحرك الإنسان داخل مسرح نفسيّ لا يراه، لكنه يعيش داخله كل لحظة.

الألوان… لغة غير منطوقة تتحكم في السلوك

تؤكد الدراسات الحديثة أن الدماغ البشري يعالج اللون قبل الشكل وقبل الكلمات. لذلك، يشعر الإنسان بالانجذاب أو النفور من شيء ما دون أن يعرف السبب. فاللون صار عاملًا نفسيًا يحدد الشعور بالطمأنينة، القوّة، الحزن، الطاقة وحتى الجوع.

و يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي، الدكتور سامي الفاضل، إن الإنسان " يتفاعل مع اللون قبل أن يفكر فيه " ، مشيرًا إلى أن الدماغ يستقبل الإشارة اللونية في أقل من 90 جزءًا من الثانية، أي أسرع من استقباله للكلمات والرموز.

ويضيف " الألوان لا تغيّر فقط ما نشعر به، بل يمكن أن تغيّر أيضًا ما نرغب فيه وكيف نتخذ قراراتنا."

لهذا، تعتمد العلامات التجارية على ألوان محددة للتأثير على الزبائن: الأحمر يرفع الشهية، الأزرق للثقة، والأخضر للصحة والطمأنينة.

من الجدران إلى الإشارات: الألوان التي تُعيد تشكيل حياتنا.

لايتوقف تأثير الألوان عند حدود الجماليات البصرية، بل يمتد ليشكّل سلوك الإنسان ومشاعره في البيوت والمدارس والشوارع على حدّ سواء. ففي المنزل، يبيّن خبراء النفس أنّ الأزرق يساعد على النوم العميق ويخفّف التوتر، بينما يعزّز الأصفر طاقة الطفل وإبداعه، في حين قد يثير الأحمر القلق إذا استُعمل بكثرة. هذا الوعي الجديد جعل الكثير من الأسر التونسية تعيد التفكير في ألوان غرف أبنائها تبعًا لحاجاتهم النفسية. وفي المدارس، باتت الألوان جزءًا من العملية التعليمية، إذ أثبتت دراسات عالمية أن الأخضر يعزّز التركيز، والأزرق يطوّر القدرة على حلّ المشكلات، والأصفر يرفع المشاركة داخل القسم، ما دفع بعض المؤسسات التربوية إلى تغيير تصميماتها التقليدية. أمّا في الشوارع والمستشفيات، فيتحرك اللون ليؤثر على سلوك الفرد دون أن يشعر، فاللون الأزرق الفاتح في أغلب المستشفيات يُخفف التوتر، بينما يُستخدم الأحمر في الإشارات المرورية لكون العين تتفاعل معه بسرعة ويولّد إحساسًا فوريًا بالخطر. وهكذا يتبيّن أن اللون ليس مجرّد خلفية صامتة لحياتنا، بل عنصر خفيّ يعيد تشكيل توازننا النفسي وطريقة تفاعلنا مع العالم من حولنا.

حين تتجسد سيكولوجية الألوان في الواقع

لا يقتصر تأثير الألوان على الدراسات العلمية أو نظريات علم النفس؛ بل يتجسّد يوميًا في قرارات الناس وسلوكهم ومزاجهم، حتى دون أن ينتبهوا لذلك. ففي محل صغير لصنع الحلويات بالمنار، يروي صاحبه كيف غيّر الطلاء الجديد شكل المكان… وحركته التجارية أيضًا. فبعد أن استبدل اللون الأزرق الداكن بواجهة نابضة بالأصفر والبرتقالي، لاحظ أن "عدد الزبائن تضاعف خلال شهر واحد فقط"، كما يقول، وكأن الدفء اللوني الجديد بثّ حياة في المحل وجذب المارة بحيويته.

وفي مدرسة ابتدائية بسليانة، تؤكد مربّية أن تجربة طلاء قسم التحضيري بالأخضر الفاتح أحدثت تحولًا لم يكن أحد يتوقعه: "الأطفال أصبحوا أكثر هدوءًا وأقلّ شغبًا… وكأن اللون يربّيهم معنا"، تضيف مبتسمة. وتقول إن التغيير كان لافتًا لدرجة دفعت باقي المدرّسات للمطالبة بإعادة طلاء الأقسام الأخرى بالتدرجات نفسها، بعد ملاحظة تطور سلوك الأطفال داخل القسم.

وفي عالم العمل، يبدو التأثير واضحًا كذلك. ريم، شابة تعمل عن بُعد، تقول إن اللون الأزرق غيّر علاقتها بالمكتب والاجتماعات الافتراضية " كنت أشعر بالاختناق كلما زاد الضغط المهني، لكن الأزرق أعاد لي الإحساس بالاتّساع والراحة. أصبحت أنهي المهام بتركيز أكبر ودون توتر".

أما أمّ نور، وهي أم لثلاثة أطفال، فتُقرّ بأنها لم تكن تتوقع أن تغيير لون جدار واحد يمكن أن يحل مشكلة في النوم: "حوّلت غرفة ابنتي من وردي صارخ إلى بنفسجي هادئ… ومنذ ذلك اليوم أصبحت تنام أسرع ولا تتقلب كثيرًا".

وفي وسط العاصمة، يرى سائق سيارة أجرة تأثير الألوان من زاوية مختلفة تمامًا: "أصبحت أكره اللون الأحمر… ليس لأنه لون خطر فقط، بل لأنه يجعلني أتوقف أكثر من أي لون آخر"، يقول مازحًا، قبل أن يضيف بجدية: "لاحظت أن الركاب يفضّلون سيارات الأجرة ذات المقاعد الرمادية أو السوداء لأنها تعطي إحساسًا بالنظافة والراحة".

ووفق المهندسة المعمارية هالة الشيباني، المتخصصة في تصميم الفضاءات الداخلية، أصبح اختيار الألوان عنصرًا أساسيًا في الاستشارات الهندسية " قبل عشر سنوات، كان اهتمام الزبائن منصبًّا على الأثاث فقط. اليوم يسألون أولًا عن اللون المناسب لشخصيتهم أو لنشاطهم المهني. أصحاب المقاهي صاروا يدركون أن الأصفر والبرتقالي يرفعان الإقبال ويمنحان طاقة، بينما يختار المبرمجون الأزرق لأنه يساعد على التركيز".
"
أما سلمى التومي، خبيرة العلاج بالفن والألوان، فتختصر كل هذه التجارب في جملة جامعة:
"
الألوان ليست زينة. هي جزء من صحتنا النفسية. وأحيانًا يكفي أن نغيّر لون زاوية في البيت… كي نغيّر طاقتنا اليومية".


"اختبر لون شخصيتك… ما اللون الذي يُشبهك؟"

أجب/أجيبي عن الأسئلة التالية، واختَر الخيار الأقرب إليك.
سجّل حرف الإجابة(A – B – C – D – E)ولاحظ أي حرف يتكرر أكثر.

-1-  ما الصفة الأكثر حضورًا في شخصيتك؟
A – شجاع ومندفع| B – هادئ ومتوازن| C – اجتماعي ومتفائل| D – حساس ومبدع| E – عملي ومنظم

- 2 -  كيف تتعامل مع المشاكل؟
A – أواجهها مباشرة| B – أفكّر بهدوء قبل اتخاذ القرار| C – أطلب رأي شخص آخر| D – أحتاج وقتًا لأستوعب المشاعر| E – أحوّلها إلى خطة عمل واضحة

- 3 -  أي نشاط تفضّله في نهاية الأسبوع؟
A – مغامرة أو رياضة| B – نزهة في الطبيعة| C – لقاء الأصدقاء| D – الرسم أو الموسيقى| E – ترتيب المنزل أو التخطيط

- 4 -  ما الذي يجعلك تشعر بالراحة؟
A – الحماس| B – الهدوء| C – الضحك| D – التعبير عن نفسك| E – الشعور بالسيطرة والتنظيم

- 5 -  كيف يراك الآخرون غالبًا؟
A – قائد| B – شخص يعتمد عليه| C – شخص محبوب| D – شخص رقيق المشاعر| E – شخص جدّي وموثوق

النتيجة: ما لون شخصيتك؟

 ?إذا كانت معظم إجاباتك(A) - الشخصية " أحمرقوي، قيادي، مندفع، تحب التحديات ولا تخاف المواجهة طاقة عالية… وروح مقاتل

?إذا كانت معظم إجاباتك(B) - الشخصية " أخضر "هادئ، محب للطبيعة، متوازن ومطمئن ممن حولك تبحث عن السلام قبل كل شي

?إذا كانت معظم إجاباتك(C) - الشخصية " أصفر"  اجتماعي، إيجابي، تنشر البهجة أينما حللت مبدع في التواصل وتحب الناس .

?إذا كانت معظم إجاباتك(D) - الشخصية " أرجواني"  حساس، فني، تمتلك خيالًا خصبًا لون  الفنانين والحالمين .

? إذا كانت معظم إجاباتك(E) - الشخصية " أزرق " منطقي، عملي، تبحث عن الدقة والوضوح  .تفضّل التنظيم على الفوضى.

الألوان ليست مجرد تفاصيل جمالية نراها يوميًا، بل هي لغة خفية تؤثر في مزاجنا وسلوكنا وقراراتنا دون أن نشعر. من غرف المنزل إلى فصول المدارس، ومن مكاتب العمل إلى شوارع المدينة، لكل لون دوره في تشكيل عالمنا النفسي والاجتماعي. ومع إدراكنا لهذه القوة الخفية، يصبح بإمكاننا استخدام الألوان بشكل واعٍ لتحسين جودة حياتنا، تعزيز رفاهيتنا النفسية، وحتى اكتشاف جانب جديد من شخصياتنا. فربما يكفي تغيير زاوية واحدة في البيت، أو اختيار لون معين، لتصبح حياتنا أكثر توازنًا وإشراقًا.

Rate this item
(0 votes)